انعكاسات التباطؤ الاقتصادي الصيني والأمريكي على حركة السياحة الدولية
تحليل سياحي - كتبها * انس العدوان
يشهد الاقتصاد العالمي خلال العام 2025 حالة من التباطؤ الملحوظ، تقودها مؤشرات اقتصادية سلبية في كلٍّ من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وهما أكبر اقتصادين في العالم وأكثرهما تأثيراً في حركة التجارة والسفر. هذا التباطؤ لا ينعكس فقط على الأسواق المالية، بل يمتد تأثيره إلى القطاعات الخدمية، وفي مقدمتها السياحة الدولية، التي تُعد من أكثر القطاعات تأثراً بالتحولات الاقتصادية، نظراً لارتباطها المباشر بمستوى الدخل وثقة المستهلكين والقدرة الشرائية للأفراد.
تُظهر المؤشرات الصينية الأخيرة تراجعاً في معدلات الإنتاج الصناعي وضعفاً في الطلب المحلي، في وقت تشهد فيه أسعار المنتجين انخفاضاً مستمراً، ما يعكس تباطؤ النشاط الصناعي وتراجع الثقة في الأسواق. هذا التراجع ينعكس بشكل مباشر على الإنفاق الاستهلاكي والسفر الخارجي، إذ بدأت الأسر الصينية تميل إلى تقليص الرحلات السياحية الدولية والتركيز على السياحة الداخلية المدعومة من الحكومة.
قبل جائحة كورونا، كانت الصين تمثل واحدة من أكبر الأسواق المصدّرة للسياح في العالم، بواقع أكثر من 150 مليون رحلة خارجية سنوياً، لكن مع التباطؤ الحالي، يُتوقع انخفاض أعداد المسافرين الصينيين إلى الخارج خلال العامين المقبلين، ما يترك أثراً ملحوظاً على الوجهات التي تعتمد على هذا السوق مثل تايلند، اليابان، والإمارات. وحتى الوجهات الناشئة مثل الأردن ومصر والمغرب، التي بدأت تسعى لاستقطاب السائح الصيني، قد تواجه صعوبة في تحقيق النمو المستهدف من هذا السوق الحيوي.
أما الولايات المتحدة، فتعاني تباطؤاً اقتصادياً نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع الإنفاق الحكومي، والقلق من احتمال حدوث ركود جزئي. هذا الوضع أدى إلى انخفاض ثقة المستهلك الأمريكي وتراجع الإنفاق على السفر الخارجي، إذ يميل المواطنون في فترات الضبابية الاقتصادية إلى الادخار وتقليص النفقات غير الضرورية، وفي مقدمتها الرحلات السياحية البعيدة والمكلفة.
ويُعد السوق الأمريكي من أكثر الأسواق إنفاقاً على السياحة الدولية، حيث يتجاوز متوسط إنفاق السائح الأمريكي في الرحلة الواحدة 2500 دولار. وبالتالي فإن أي تراجع في حجم هذا السوق أو في قدرته الشرائية ينعكس على حركة السفر إلى أوروبا والشرق الأوسط، ويؤثر في موازنات شركات الطيران والفنادق وشركات السياحة العالمية.
التباطؤ في الاقتصادين الصيني والأمريكي يُحدث تحوّلاً في أنماط السفر العالمية. فبدلاً من الرحلات البعيدة والمكلفة، يتجه المسافرون إلى الوجهات القريبة أو منخفضة التكلفة. كما تبرز السياحة الإقليمية والرحلات القصيرة بوصفها البديل الأمثل في فترات التحديات الاقتصادية.
وفي المقابل، تزداد الفرص أمام الوجهات الناشئة في آسيا والشرق الأوسط التي تقدم تجارب سياحية أصيلة بأسعار معتدلة. فالدول التي تتمتع بالاستقرار السياسي والمناخ الجيد والتنوّع الطبيعي والثقافي ستكون الأكثر قدرة على جذب المسافرين الباحثين عن وجهات جديدة وآمنة.
بالنسبة للأردن، الذي يسعى إلى تنويع أسواقه وتعزيز حصته في السياحة العالمية، فإن التباطؤ الاقتصادي الدولي يفرض تحديات وفرصاً في آن واحد. فمن جهة، قد يتأثر تدفق السياح من الأسواق البعيدة مثل الصين وأمريكا الشمالية، ومن جهة أخرى يمكن للأردن أن يستثمر هذا التراجع لتوسيع قاعدة أسواقه الإقليمية، واستقطاب السياح من الخليج والعراق ومصر، مستفيداً من موقعه الجغرافي المتميز واستقراره الأمني.
كما يُمكن للأردن أن يركّز على السياحة منخفضة الكلفة والسياحة الزراعية والبيئية، وهي أنماط تلقى رواجاً في فترات التقشف الاقتصادي، إضافة إلى توظيف الطقس المعتدل في الخريف والربيع لترويج حملات موسمية مثل “الأردن جنة على مدار العام”.
ومن المهم أيضاً تكثيف الحملات الرقمية على المنصات العالمية والإقليمية، وتبنّي استراتيجيات ترويج مرنة تراعي المتغيرات الاقتصادية العالمية.
إن تباطؤ الاقتصاد في الصين والولايات المتحدة يشكل تحدياً حقيقياً أمام نمو السياحة الدولية، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام مرحلة إعادة توازن في اتجاهات السفر العالمية. الوجهات التي تستطيع التكيّف بسرعة مع المتغيرات، وتقدّم تجربة سياحية مميزة بأسعار تنافسية، ستنجح في الحفاظ على مكانتها، بل وربما في توسيع حصتها من السوق.
وفي هذا السياق، يمتلك الأردن كل المقومات ليكون من بين تلك الوجهات الذكية التي تحوّل الأزمات العالمية إلى فرص للنمو، مستنداً إلى تنوعه الطبيعي، وغناه الثقافي، واستقراره الأمني، ليبقى اسمه حاضراً في خارطة السياحة الدولية مهما تغيرت الظروف الاقتصادية.